
ناصر أبوطاحون يكتب: "الحفار كينتينج" في "سد النهضة"

تعد عملية "الحفار كينتينج" من العمليات النوعية المهمة و العلامات البارزة في مسيرة المخابرات العامة المصرية التي تحملت أعباءا قاسية في فترة من أعقد و أصعب الأوقات التي مرت على مصر في العصر الحديث عقب نكسة يونيو 1967
و قد وضعت اسرائيل ، بلادنا في موقف شديد الصعوبة ،بعد أن تعاقدت على شراء حفار للتنقيب عن البترول في خليج السويس في عام 1969
و كان الموقف المصري مخير بين القبول بتلك الإهانة، أو تجديد المواجهة العسكرية في وقت كانت القوات المسلحة منشغلة ببناء حائط الصواريخ و التجهيز للحرب الشاملة
و استقر القرار المصري أن تتم مواجهة الحفار قبل وصوله للبحر الأحمر و التعامل معه و منعه من الوصول
و كان ما يعرفه الجميع من نجاح فريق من المخابرات العامة المصرية و رجال القوات البحرية في ايقاع الحفار في المصيدة و تدميره في ميناء أبيدجان عاصمة كوت ديفوار "ساحل العاج" بعملية نوعية من طراز خاص
و بالتالي انتهت العملية بنجاح تام و بتغطية من العديد من أجهزة الدولة و في سرية تامة، و تجنبت مصر المواجهة العسكرية ،خاصة أن الحفار لم يكن يخص الصهاينة فقط بل كانت هناك شراكة في الحفار "كينتينج" بين اسرائيل و امريكا و و بريطانيا بالاضافة لهولاندا مالكة القاطرة التي تجر الحفار و كذلك ايطاليا حيث شركة ايني الايطالية التي ستتولى التنقيب و كندا البلد المنتجة للحفار
و تلح عليا تجربة الحفار و تلك العملية النوعية الدقيقة التي تخلصت منه بدون أن تترك أثرا، و أتسأل بيني و بين نفسي ماذا لو كانت السوشيال ميدا و الفيس بوك و خبراء الهبد موجودون في وقتها
و كيف كان الجميع سيتصرفون تحت وطأة الهزيمة و محاولات الصهاينة جر الشر و توجيه الجيش المصري لمواجهات قبل أن يتم استعداده للحرب
أعتقد أن الضغط على الدولة كان سيبدأ من اللحظة الأولي لوضع أول مسمار في الحفار في أحد موانىء كندا
و لم نكن نعدم وقتها خبير فيسبوكيا لكي يكتب منشورا يبشر فيه بالحفار و بنتائج عمله التي لم تبدأ بعد
ثم تتلقف الصفحات ذلك المنشور لتضيف إليه و تحذف منه ، و تبدأ في التعامل معه وكأن الحفار وصل و بدأ بالفعل في استخراج البترول
و يتوالى النشر و الضغط على الجبهة الداخلية التي تئن تحت تأثير النكسة، و على الجيش الذي يفرض معاركه في حرب الاستنزاف و يختار وقتها و مكانها ، و لا يريد أن يفرض عليه أحد مواجهة بدون اكتمال التجهيزات
و هكذا يستمر الضغط وصولا الى تفجير الأوضاع
و يدور في رأسي تساؤلات ملحة عن كيفية تصرف الأجهزة وقتها و فلان الفلاني الخبير الهندسي يطلب منها تفسيرا سريعا
و علان العلاني الخبير الاستراتيجي يطلب خطط الدولة فورا لكي توضع أمامه و تكشف له كيفية استعدادها وخططها للتصدي لهذا الخطر المحدق
و كيف ان ترتان الترتاني خبير الفيس بوك الأول يطالب بوضعه في مركز القيادة لإدارة العمليات قبل أن تقع "الفاس في الراس" و يصل الحفار لمبتغاه
لكن من فضل الله ان ذاك الزمن لم يكن زمن اتصال سريع و فيس بوك و تواصل، و بالتالي عملت مصر في هدوء و أزالت الخطر من الوجود و يدها بيضاء لم يمسها السوء، و لم تدخل في المعركة الشاملة إلا بعد أن اختارت التوقيت و المكان واكتملت الاستعدادات
و يحضرني الربط بين واقعة الحفار "كينتينج" و مشكلة "سد النهضة" التي تواجهها مصر الأن في موجهة العنت الإثيوبي و التجاهل الدولي
و كما نري و نعيش لحظة بلحظة ..خبراء الفيسس بوك و أساتذة الهبد الاستراتيجي و هم يملأون الفضاء الإلكتروني بالمقالات و المداخلات و الشروحات و التقديرات و التقييمات. و معظمها يفتقد للمعلومات الصحيحة و أكثرها يثير الغبار و يخفي وراءه نوايا شريرة ، سواء تستهدف البلد بالكلية، أو الانتقام من النظام في ضوء ما حمله من أعباء مواجهات مع الإرهاب و جماعات الإسلام السياسي و حلفاءها و مراكبيها
و كما نري ضاعت الموضوعية تماما في التعامل مع القضية، و يتعمد أغلب المتداخلين خلط معلومة صحيحة بسيل من الأكاذيب ، أو نزع كلمة من سياقها أو معلومة من مكانها بهدف ارباك الوضع سواء ارباك الجبهة الداخلية ، أو الضغط على السلطة حتى تتصرف بغضب أو بتسرع فتسقط في الفخ و هو المطلوب لدي قطاع لا بأس به
فلا يصح أن يطالب خبير هنا أو مدعي هناك او هبيد على مواقع التواصل بأن تكشف الدولة له كل خططها سواء كانت سلمية أوحربية أو حتى نوعية
فكل هذه الأمور مما يلزمها السرية التامة حتى تنجح، بل و يلزمها ان تفعل الفعل و تنفي صلتك به
و أعتقد أن بركات الحفار "كنتينج" بدأت تظهر و أن بصمات أبناء أمين هويدي و محمد نسيم و خليفة جودت بدأت في الظهور بالفعل على أرض الواقع
طاقة نيوز